بمنتهى الحرية....رأيت فيما يرى النائم،أني أخوض في دماء تفيض بها ساحة واسعة،بدا لي أني أعرفها جيداً...،فقد مررت من هنا ذات يوم وسط أعلام وأطفال ووجوه باسمة تنتظر أن تهبها السماء لحظة نصر واحدة بعد هزيمة دامت لقرون...أفقت من ذهولي على دوي إطلاق رصاص بدا لي مألوفاً أيضاً..ففي نهاية المشهد يقف زي عسكري لم أتمكن من تبيان لونه بدقه...فكلما حاولت الاقتراب منه كان يبتعد،وخُيل لي أنه بين اللونين البني والأسود،عدوت خلفه وقدمي تتعثر في أجساد مفارقة للحياة ،وأصابع تشير إلى صاحب الزي الذي كان يختبئ كلما اقتربت...وفي زاوية ما من الساحة رأيت جماعة تدون بسرعة هستيرية على أوراق ممزقة،ثم يلقونها في نار مستعرة تطال ألسنتها وجوه محروقة في شرفات المنازل..تعرفت على بعض ملامح تلك الجماعة فمنهم أصدقاء لي من المثقفين..لم أهتم بهم أو أحاول أن أسألهم عن عبثية ما يفعلون...فالمشهد بأكمله عبثياً لدرجة الغثيان.كان هدفي الوصول إلى صاحب الزي العسكري...الذي ظهر أمامي فجأة وحينما قررت الإمساك به سقطت أمام حذاءه الأسود،وأفقت على دوي رصاصة تخترق رأسي،دون أن أميز لون ملابسه.
فتحت عيني في رعب حقيقي...و مذاق الدم في حلقي...هل من الممكن أن يكون هذا الكابوس نبوءة أم مجرد تهويمات أحلام بعد أسابيع من الضغط النفسي والمخاوف التي سيطرت على عقولنا جميعاً.لم يمهلني الحدث لأستمر في التفكير أو التحليل فما رأيته كان كفيلاً بصدمة جديدة،فقد رأيت ما يثبت لي أني لم استيقظ في فراشي كما اعتدت ...فسقف الغرفة كان مختلفاً ،بل أني لم أكن في فراشي من الأساس...فقد كنت ملقى على أرضً باردة ،أسفل مقاعد صغيرة ذكرتني لأول وهلة بحجرة الدرس في مدرسة ابنتي ذات الأربع سنوات..لا بل هي بالفعل،فها هي ابنتي تجلس وعلى رأسها غطاء رأس ،مرتدية ملابس طويلة،...زي جديد أصابني بدهشة حقيقية...لم تكن لوحدها من ترتدي ما لا يليق بها كطفلة ،بل أنه زي شبه موحد.وهناك في أعلى الحجرة تتدلى شعارات دينية لم استطع قراءتها جيداً،حاولت النهوض بعد موجة غضب اعترتني بشدة،فلم أتمكن...اختناق..شعرت أني شارفت على النهاية..إظلام تام.
رأيت فيما يرى النائم...صقوراً تحلق فوق الأجساد الميتة...تحدد ضحايا تلك الوجبة التاريخية،..أصرخ فلا صوت لي:انتبهوا إنهم قادمون،وللحق لم أكن أعلم من هم أثناء صراخي...فهم كثر.وهناك على أحد الشواطئ من يبتسم بتشفي حقيقي ،ابتسامة مرعبة ،كان يقول شيئاً ما،لم استبن منه إلا كلمات محدودة...انتقام ..نظام.
شوارع وميادين تعج بمن فيها،وكأنه يوم الحشر العظيم...يوم النهاية،يحملون رؤوساً مقطوعة فوق عصي،يقطر منها دماء،ويهتفون للحرية...والديمقراطية،والغريب للموت.أقف أنا بين الصفوف وقد هتفت معهم ،فتوقفوا عن الهتاف ،نظروا لي بعين الريبة،مقررين أن يحملوا رأسي على أحد تلك العصي،ولكني حاولت أن أصحو لأفوت عليهم الفرصة،قلت حاولت...ولكن بلا فائدة،إذن هذا ليس بكابوس إنه وبشكل ما تحول إلى حقيقة مؤلمة.السكين على رقبتي والألم يعتصر بقايا الإحساس داخلي،قاومت بلا فائدة،فالكل متأكد أن الموت هو الحل الوحيد حتى يكملوا المسيرة الحاشدة...وفي قمة الرعب ،انتفضت لأجد نفسي في غرفتي وعلى الفراش المعتاد،وذهني تعصف به صور الدماء والقتل وابنتي.
وبشكل اعتيادي نهضت،لأشاهد التلفاز وسلسلة من الأخبار التي لعنتها كل يوم قبل النوم وبعده،في انتظار شعب يقتل أو يُقتل،وفي كبسة زر، رأيت أحد أصحاب اللحى ،المعروف بتعدد جنسياته وميوله الفكرية المتطرفة،وهو يهتف منتفضاً ضد كل الحكومات في كل البلاد عدا الحكومة المانحة،فتذكرت الهتاف الذي سمعته في الكابوس.وفي مشهد آخر رأيته وهو في حراسة على قمة الساحة التي تذكرتها في هذه اللحظة،وهناك من يصافحه،ويعتبره عودة لعصر الخلفاء،ومن خلف الصورة رأيت صاحب الزي وحذاءه الأسود.ظللت محدقاً في دهشة تفوق ما رأيته في نومي،في انتظار أن استيقظ من جديد ولكن بدا لي الأمر لا منتهياً ،فهذا ليس بكابوس،إنه الواقع الذي فاق كوابيسي رداءة .
فالواقع الذي نتحداه جميعاً سوف يستحيل إلى دوائر مغلقة من التيه السياسي والاجتماعي إذا لم ننتبه وبشدة إلى كل المحاولات النظامية والمنظمة لسرقة أحلام بدت مشروعة في بداية الحدث المصري،فانتفاضة الحرية التي أخرجت العملاق الشعبي من القمقم،أخرجت معها دعاة الفتنة ومحرومي السلطة منذ عقود طويلة.وستستمر الكوابيس تطاردنا جميعاً في نومنا ويقظتنا طالما لم ندرك أن الثورة الحقيقية هي على نمط تفكيرنا الذي يضع هذا خليفة أو ذاك رئيساً،فالحرية الحقة هي للشعب الذي انتظر طويلاً أن يختار ،فليحاول ألا يكون هذا هو الاختيار الأخير.
واعذروني أني شاركتكم مخاوفي ،ولكنها لا تتعدى مجرد كوابيس مصرية.
بقلم أحمد لاشبن
0 التعليقات:
إرسال تعليق